فصل: القسامة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.القسامة:

القسامة: تستعمل بمعنى الحسن والجمال.
والمقصود بها هنا: الايمان، مأخوذة من: أقسم، يقسم، إقساما، وقسامة.
فهي مصدر مشتق من القسم، كاشتقاق الجماعة من الجمع.
وصورتها: أن يوجد قتيل لا يعرف قاتله، فتجري القسامة على الجماعة التي يمكن أن يكون القاتل محصورا فيهم، بشرط أن يكون عليهم لوث ظاهر، بأن يوجد القتيل بين قوم من الاعداء، ولا يخالطهم غيرهم، أو اجتمع جماعة في بيت أو صحراء، وتفرقوا عن قتيل، أو وجد في ناحية، وهناك رجل مختضب بدمه.
فإذا كان القتيل في بلدة، أو في طريق من طرقها، أو قريبا منها أجريت القسامة على أهل البلدة.
وإن وجدت جثته بين بلدين، أجريت القسامة على أقربها مسافة من مكان جثته.
وكيفية القسامة، هي: أن يختار ولي المقتول خمسين رجلا من هذه البلدة ليحلفوا بالله أنهم ما قتلوه، ولا علموا له قاتلا.
فإن حلفوا سقطت عنهم الدية، وإن أبوا، وجبت ديته على أهل البلدة جميعا.
وإن التبس الأمر كانت ديته من بيت المال.
النظام العربي الذي أقره الإسلام وكانت القسامة معمولا بها في الجاهلية، فأقرها الإسلام على ما كانت عليه.
وحكمة إقرار الإسلام لها، أنها مظهر من مظاهر حماية الأنفس، وحتى لا يذهب دم القتيل هدرا.
أخرج البخاري، والنسائي، عن ابن عباس، رضي الله عنهما: أن أول قسامة كانت في الجاهلية: كان رجل من بني هاشم، استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى فانطلق معه في إبله، فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه، فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي، لا تنفر الإبل، فأعطاه عقالا فشد به عروة جوالقه.
فلما نزلوا، عقلت الإبل إلا بعيرا واحدا، فقال الذي استأجره: ما بال هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عقال قال: فأين عقاله؟ فحذفه بعصا كان فيه أجله، فمر به رجل من أهل اليمن فقال له: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهده، وربما شهدته قال: هل أنت مبلغ عني رسالة، مرة من الدهر؟ قال: نعم قال: فإذا شهدت، فناد: يا قريش، فإذا أجابوك فناد: يا آل بني هاشم، فإن أجابوك، فسل: عن أبي طالب، وأخبره أن فلانا قتلني في عقال ومات المستأجر فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال: ما فعل صاحبنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه ووليت دفنه قال: قد كان أهل ذاك منك فمكث حينا، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه، أن يبلغ عنه، وافى الموسم فقال: يا قريش قالوا: هذه قريش قال: يا آل بني هاشم قالوا: هذه بنو هاشم قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة، أن فلانا قتله في عقال فأتاه أبو طالب، فقال: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل، فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت، حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به فأتى قومه فأخبرهم.
فقالوا: نحلف فأتته امرأة من بني هاشم، كانت تحت رجل منهم، كانت قد ولدت منه فقالت: يا أبا طالب أحب أن يجبر إبني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم، فقال: يا أبا طالب، أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل، فيصيب كل رجل منهم بعيران، هذان البعيران فاقبلهما مني ولا تصبر يميني، حيث تصبر الايمان، فقبلهما.
وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس رضي الله عنهما: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول، ومن الثمانية والأربعين عين تطرف!.

.الاختلاف في الحكم بالقسامة:

اختلف العلماء في وجوب الحكم بالقسامة.
فقال جمهور الفقهاء: بوجوب الحكم بها.
وقالت طائفة من العلماء: لا يجوز الحكم بها.
قال ابن رشد في بداية المجتهد: وأما وجوب الحكم بها على الجملة، فقال به جمهور فقهاء الأمصار: مالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد، وسفيان، وداود، وأصحابهم، وغير ذلك من فقهاء الأمصار.
وقالت طائفة من العلماء: سالم بن عبد الله، وأبو قلابة، وعمر بن عبد العزيز، وابن علية: لا يجوز الحكم بها.
عمدة الجمهور ما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام، من حديث حويصة ومحيصة، وهو حديث متفق على صحته من أهل الحديث، إلا أنهم مختلفون في ألفاظه.
وعمدة الفريق الثاني لعدم جواز الحكم بها: أن القسامة مخالفة لاصول الشرع المجمع على صحتها، فمنها: أن الاصل في الشرع أن لا يحلف أحد إلا على ما علم قطعا، أو شاهد حسا، وإذا كان ذلك كذلك فكيف يقسم أولياء الدم، وهم لم يشاهدوا القتيل، بل قد يكونون في بلد، والقتل في بلد آخر.
ولذلك روى البخاري عن أبي قلابة: أن عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس، ثم أذن لهم فدخلوا عليه، فقال: ما تقولون في القسامة؟ فأضب القوم، وقالوا: نقول: إن القسامة القود بها حق، قد أقاد بها الخلفاء.
فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونصبني للناس.
فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك أشراف العرب، ورؤساء الاجناد.
أرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا على رجل، أنه زنا بدمشق، ولم يروه، أكنت ترجمه؟ قال: لا.
قلت: أفرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا على رجل أنه سرق بحمص، ولم يروه، أكنت تقطعه؟ قال: لا.
وفي بعض الروايات: قلت: فما بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا، وهم عندك، أقدت بشهادتهم.
قال: فكتب عمر بن عبد العزيز، في القسامة، أنهم إن أقاموا شاهدي عدل: أن فلانا قتله، فأقده، ولا يقتل بشهادة الخمسين الذين أقسموا.
قالوا: ومنها: أن من الاصول، أن الايمان ليس لها تأثير في إشاطة الدماء.
ومنها: أن من الاصول: أن البينة على من ادعى، واليمين على من أنكر.
ومن حجتهم: أنهم لم يرو في تلك الأحاديث، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بالقسامة، وإنما كانت حكما جاهليا، فتلطف لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليريهم كيف لا يلزم الحكم بها، على أصول الإسلام، ولذلك قال لهم: أتحلفون خمسين يمينا أعني لولاة الدم، وهم الانصار -؟ قالوا: كيف نحلف، ولم نشاهد؟ قال: فيحلف لكم اليهود.
قالوا: كيف نقبل أيمان قوم كفار؟ قالوا: فلو كانت السنة أن يحلفوا وإن لم يشهدوا لقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي السنة.
قال: إذا كانت هذه الاثار غير نص في القضاء بالقسامة، والتأويل يتطرق إليها، فصرفها بالتأويل إلى الاصول أولى.
وأما القائلون بها، وبخاصة مالك، فرأى أن سنة القسامة، سنة منفردة بنفسها، مخصصة للاصول، كسائر السنن المخصصة، وزعم أن العلة في ذلك حوطة الدماء، وذلك أن القتل لما كان يكثر، وكان يقل قيام الشهادة عليه، لكون القاتل إنما يتحرى بالقتل مواضع الخلوات، جعلت هذه السنة حفظا للدماء، لكن هذه العلة تدخل عليه في قطاع الطريق، والسراق، وذلك أن السارق تعسر الشهادة عليه، وكذلك قاطع الطريق.
فلهذا أجاز مالك شهادة المسلوبين على السالبين، مع مخالفة ذلك للاصول، وذلك أن المسلوبين مدعون على سلبهم انتهى.

.التعزير:


.1- تعريفه:

يأتي التعزير بمعنى التعظيم والنصرة، ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه} أي تعظموه وتنصروه.
ويأتي بمعنى الاهانة: يقال عزر فلان فلانا، إذا أهانه زجرا وتأديبا له على ذنب وقع منه.
والمقصود به في الشرع:
التأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة.
أي أنه عقوبة تأديبية يفرضها الحاكم على جناية أو معصية لم يعين الشرع لها عقوبة، أو حدد لها عقوبة ولكن لم تتوفر فيها شروط التنفيذ مثل المباشرة في غير الفرج، وسرقة مالا قطع فيه، وجناية لا قصاص فيها، وإتيان المرأة المرأة، والقذف بغير الزنى.
ذلك أن المعاصي ثلاثة أقسام:
1- نوع فيه حد، ولا كفارة فيه: وهي الحدود التي تقدم ذكرها.
2- ونوع فيه كفارة، ولا حد فيه.
مثل: الجماع في نهار رمضان، والجماع في الاحرام.
3- ونوع لا كفارة فيه ولا حد، كالمعاصي التي تقدم ذكرها، فيجب فيها التعزير.

.2- مشروعيته:

والاصل في مشروعيته ما رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي، والبيهقي، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده: «أن النبي صلى الله عليه وسلم، حبس في التهمة» صححه الحاكم.
وإنما كان هذا الحبس حبسا احتياطيا حتى تظهر الحقيقة.
وأخرج البخاري، ومسلم، وأبو داود، عن هانئ بن نيار أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تجلدوا فوق عشرة أسواط، إلا في حد من حدود الله تعالى».
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعزر ويؤدب، بحلق الرأس والنفي والضرب، كما كان يحرق حوانيت الخمارين، والقرية التي يباع فيها الخمر.
وحرق قصر سعد بن أبي وقاص بالكوفة، لما احتجب فيه عن الرعية.
وقد اتخذ درة يضرب بها من يستحق الضرب، واتخذ دارأ للسجن، وضرب النائحة حتى بدا شعرها.
وقال الائمة الثلاثة: إنه واجب.
وقال الشافعي: ليس بواجب.

.3- حكمة مشروعيته والفرق بينه وبين الحدود:

وقد شرعه الإسلام لتأديب العصاة والخارجين على النظام، فالحكمة فيه هي الحكمة من شرعية الحدود التي سبق ذكرها في مواضعها.
إلا أنه يختلف عن الحدود من ثلاثة أوجه.
1- أن الحدود يتساوى الناس فيها جميعا، بينما التعزير يختلف باختلافهم.
فإذا زل رجل كريم، فإنه يجوز العفو عن زلته.
وإذا عوقب عليها فإنه ينبغي أن تكون عقوبته أخف من عقوبة من ارتكب مثل زلته، ممن هو دونه في الشرف والمنزلة.
روى أحمد، وأبو داود، والنسائي، والبيهقي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم، إلا الحدود».
أي إذا زل رجل ممن لا يعرف بالشر زلة، أو ارتكب صغيرة من الصغائر، أو كان طائعا وكانت هذه أولى خطاياه، فلا تؤاخذوه.
وإذا كان لا بد من المؤاخذة، فلتكن مؤاخذة خفيفة.
2- أن الحدود لا تجوز فيها الشفاعة بعد أن ترفع إلى الحاكم.
بينما التعازير يجوز فيها الشفاعة.
3- أن من مات بالتعزير، فإن فيه الضمان، فقد أرهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه امرأة، فأخمصت بطنها، فألقت جنينا ميتا، فحمل دية جنينها.
وقال أبو حنيفة، ومالك: لا ضمان، ولا شئ، لأن التعزير والحد في ذلك سواء.